خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كيف تكون محبوبا عند الله ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 12 صفر 1445هـ ، الموافق 16 أغسطس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 أغسطس 2024م بصيغة word بعنوان : كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 أغسطس 2024م بصيغة pdf بعنوان : كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 أغسطس 2024م بعنوان : كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ.
أولًا: محبة الله للعبد شرف ما بعده شرف
ثانيًا: الله الله فيمن يسعى لنفع الناس بالخير والمعروف !!
ثالثــــًا: فوائد وفضائل نفع الناس في الدنيا والآخرة.
رابعا وأخيرًا: إن لم تنفع الناس فلا تؤذيهم!!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 أغسطس 2024م بعنوان : كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : كيف تكون محبوبا عند الله د. محمد حرز
بتاريخ: 11 من صفر 1446هــ– 16 أغسطس2024م
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، كثيرِ الجودِ والعطاءِ والكرمِ، اصطفَى مِنْ خلْقِه مَنْ يَبذلُ الخيرَ، ويَسعَى في حَاجةِ الخلقِ مَحبةً لربِّه واحتَسابًا للأجرِ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) الزخرف: 32.وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كمَا في سننِ ابنِ ماجةَ عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلاَقًا لِلشَّرِّ وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلاَقًا لِلْخَيْر )) فاللهُمّ صلّ وسلمْ وزدْ وباركْ على المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلي يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوَى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102).
أيُّها الأخيارُ: (كيف تكون محبوبا عند الله)عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ :
أولًا: محبة الله للعبد شرف ما بعده شرف
ثانيًا: الله الله فيمن يسعى لنفع الناس بالخير والمعروف !!
ثالثــــًا: فوائد وفضائل نفع الناس في الدنيا والآخرة.
رابعا وأخيرًا: إن لم تنفع الناس فلا تؤذيهم!!!
أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن كيف تكون محبوبا عند الله جل وعلا، وخاصة ومحبة الله جل وعلا للعبد تقف عندها ألسنة البلغاء من الناس فأن للسهو من شمس الضحى وأن للثرى من كواكب الجوزاء ، وخاصة ومحبة الله للعبد تأتي من نفعك للناس وحرصك على خدمتهم ، وخاصة والناس في حاجة إلى بعضهم البعض فلا يستطيع الانسان أن يعيش حياته بدون الحاجة إلى غيره وخاصة والأيام دول والدنيا في تقلب مستمر وسريع فالأحوال والظروف والأوضاع تتغير من آن لآخر وأنت لا تدري ,وخاصة وقضاءُ حوائجِ الناسِ عبادةٌ مِن أعظمِ العباداتِ التي تنفعُ الإنسانَ قبلَ أنَ تنفعَ غيرَهُ، فمَن سارَ في قضاءِ حوائجِ الناسِ قضَى اللهُ عزَّ وجلَّ حوائجَهُ، وخاصةً وأنَّ خدمةَ الناسِ ومسايرةَ المستضعفين وقضاءَ حوائجِهِم ونفع الناس دليلٌ على طيبِ المنبتِ، ونقاءِ الأصلِ، وصفاءِ القلبِ، وحسنِ السريرةِ، وربُّنَا يرحمُ مِن عبادِهِ الرحماءَ.. جعلنَا اللهُ وإياكُم منهم بمنِّه وجودِه وكرمِه …وللهِ درُّ القائلِ
اقضِ الحوائجَ ما استطعتَ*** وكُنْ لهَمِّ أخيكَ فارِجْ
فَلَخيرُ أيَّامِ الفَتى***يَومٌ قَضَى فِيهِ الحَوائجْ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كيف تكون محبوبا عند الله
أولًا: محبة الله للعبد شرف ما بعده شرف
أيُّها السادةُ: محبة الله للعبد حياة ما بعدها حياة وشرف ما بعده شرف، وكرامة ما بعدها كرامة، ومَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى لِنَيْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُنَا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ لَمَا وَسِعَتْهُ الدُّنْيَا وما فيها ، وَلَهَانَ عِنْدَهُ كُلُّ شَيْءٍ ، ومِنْ مِنَّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ ياسادة ؟! وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَقْوَى إِيمَانًا وَأَكْثَرَ عَمَلًا صَالِحَاً ازْدَادَ مَحَبَّةً عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى-. وَأَفْضَلُ الأَعْمَالِ التي تجعلك محبوبا عند الله مَا افْتَرَضَهُ اللهُ على عِبَادِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: “وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ”. وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ لَكَ أَنْ تَتَّبِعَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، لِقَوْلِهِ -تَعَالَى- :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمَ)[آل عمران:31]، وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ لَكَ تَوْفِيقُكَ لِلطَّاعَاتِ، وَحَجْبُكَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ بِأنْوَاعِهَا، قَالَ اللَّهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: “وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ”. وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ: حُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، قَاَل اللهُ جل وعلا )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم:96]؛ أَيْ: مَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْض”. وَأَفْضَلُ الأَعْمَالِ التي تجعلك محبوبا عند الله نفع الناس في كل مكان مِن أعظمِ العباداتِ والقروباتِ إلى اللهِ جلَّ وعلا، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَبي ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْراً، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه الطبراني في الأوسط) وأبواب نفع الناس كثيرة: كقضاء ديونهم، أو الصدقة على الفقراء منهم، أو تفريج كربهم، أو الصلح بينهم، أو إدخال السرور عليهم، وإماطة الأذى عن الطريق ، وغراس الأشجار ، والمحافظة على البيئة من التلوث ، وإغاثة الملهوف ،ورعاية الحيوان ، وكل عمل ينهض بالفرد ويرقى بالمجتمع فهو خير، والدعوة إلي الله تعالي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والعدل بين الناس.. فمجالات عمل الخير ونفع الناس كثيرة ومتعددة . روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ سَعِيدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: }كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ{ [البخاري و مسلمو تعليم الناس العلم الشرعي هو من أعظم النفع، فإن حاجتهم إلى العلم الشرعي أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وَفِي الحَدِيثِ: }إِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ{[سنن أبي داود].وفي رواية: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ([رواه الترمذي، واصْنَعِ الْمَعْرُوفَ إِلَى مِنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَإِلَى مِنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، فَإِنْ كَانَ أَهْلَهَ، فَهُوَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلَهَ، فَأَنْتَ أَهْلُهُ” وللهِ درُّ القائلِ:
ازرعْ جميلًا ولو في غيرِ مَوضعهِ *** فَلا يضيعُ جميلٌ أينما زُرِعا
إنَّ الجميلَ وإن طالَ الزمانُ بهِ *** فليسَ يَحصدُهُ إلا الذي زَرَعا
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كيف تكون محبوبا عند الله
ثانيا: الله الله فيمن يسعى لنفع الناس بالخير والمعروف !!
أيُّها السادةُ: نفع الناسِ عبادة جليلة، وخلق عظيم مِن الأخلاقِ الإسلاميةِ العاليةِ الرفيعةِ التي ندبَ إليها الإسلامُ وحثَّ المسلمينَ عليهَا بالليلِ والنهارِ, وجعلَهَا مِن بابِ التعاونِ على البرِّ والتقوَى الذي أمرَنَا بهِ المولى جل وعلا فقالَ في محكمِ تنزيلِهِ: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) سورة المائدة (2), ودينُنَا هو دينُ الخيرِ والتعاونِ وقضاءِ حوائجِ الناسِ ونفع الناس، ودعَا إلى الخيرِ والتعاونِ وقضاءِ حوائجِ الناسِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وما أرسلَ اللهُ مُحمدًا ﷺ إِلّا بالخيرِ وإنَّ مِن أسمَى الغاياتِ، وأنبلِ المقاصدِ أنْ يحرصَ الإنسانُ على نفع الناس ِ، وقضاء حوائجهم، وبهذا الخلق النبيل تسمُو إنسانيتُهُ، ويتشبَّهُ بالملائكةِ، ويتخلقُ بأخلاقِ الأنبياءِ والصديقين… فكم تنشرحُ النفسُ وتقرُّ العينُ حينما تسعَى في نفع الناسِ وكيف لا؟ وإنَّ عملَ الخيرِ – سواءٌ كان قولًا أو فعلًا – مقصدٌ شرعيٌّ، ومطلبٌ إنسانيٌّ، وهو مِن أسبابِ القربِ مِن اللهِ، وتحصيلِ الأجورِ والدرجاتِ، وانشراحِ الصدورِ وسعتِهَا، ودفعِ الهمومِ والأحزانِ لذا أوصَى الإسلامُ الحنيفُ الإنسانَ أنْ يفعلَ الخيرَ مع الناسِ، بغضِّ النظرِ عن معتقداتِهِم وأعراقِهِم، فقالَ جلَّ وعلا ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾البقرة: وكيف لا؟ ومِن فضلِ اللهِ علينَا وكرمِهِ وجودهِ أنْ فتحَ لنَا كثيرًا مِن أبوابِ الخيراتِ، وحثّنَا على الـمسارعةِ إلى الخيراتِ وتركِ المنكراتِ، والتسابُقِ إليها في كلِّ وقتٍ وحينٍ، لِـمَـا في ذلك مِن جلبِ الحسناتِ، ورفعٍ للدرجاتِ، ومـحوٍ للسيئاتِ، وانشراحٍ للصدورِ، ودفعٍ للهمومِ والأحزانِ قالَ جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾الحج: 77، وبيَّنَ ربُّنَا جلَّ وعلا أنَّ كلَّ عملِ خيرٍ مهما كان صغيرًا أو بسيطًا فإنَّهُ يعلمهُ، قال ربُّنَا ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (النساء: 127). وكلُّ عملٍ ستراهُ في صحيفةِ أعمالِكَ قال جلَّ وعلا): فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)الزلزلة: 8 ، نعمْ فكلُّ ما تعملُهُ مِن خيرٍ ولو كان وزنَ ذرةٍ ستراهُ في الآخرةِ في صحيفتِكَ. روى الإمامُ أحمدُ في مسندهِ عن أبِي هريرةَ، قال: قرأَ رسولُ اللهِ ﷺ هذه الآيةَ(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا قال “أتدرونَ ما أخبارهَا؟ قالوا: اللهُ ورسولهَ أعلم قال: “فإنَّ أخبارَهَا أنْ تشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمةٍ بما عَمِلَ على ظهرِهَا، أنْ تقولَ: عملَ كذَا وكذا، يومَ كذا وكذا، فهذه أخبارُهَا)) فهنيئًا لمَن كانتْ أعمالُهُ كلُّهَا خير و يا سعادةُ مَن وفقَ لعملِ الخيرِ .وكيف لا؟ ونفع الناسِ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ, ومبدأٌ كريمٌ مِن مبادئِ الإسلامِ, وشيمةُ الأبرارِ المحسنين مِن الناس, وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنين الموحدين، ونفع عبادةٌ جليلةٌ ، وسهلةٌ وميسورةٌ ، أمرَ بهَا الدينُ ، وتخلَّقَ بها سيدُ المرسلين ﷺ، تدلُّ على سمو النفسِ وعظمةِ القلبِ وسلامةِ الصدرِ ورجاحةِ العقلِ ووعيِ الروحِ ونبلِ الإنسانيةِ وأصالةِ المعدنِ وكيف لا؟ والسعيدُ أيُّها السادةُ هو مَن سخرَهُ اللهُ جلَّ وعلا لقضاءِ حوائجِ الناسِ اللهُ أكبرُ، ولِيُفَكِّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا في نَفْسِهِ، أَيْنَ مَقَامُهُ عِنْدَ اللهِ تعالى؟ وإذا أَرَادَ العَبْدُ أَنْ يَعْرِفَ مَقَامَهُ عِنْدَ اللهِ فَلْيَنْظُرْ أَيْنَ أَقَامَهُ اللهُ تعالى، فالسَّعِيدُ مَن أَقَامَهُ اللهُ تعالى في قَضَاءِ حَوَائِجِ العِبَادِ. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ))أخرجه الطبراني ) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَاً خَلَقَهُمْ لِحَوَائِجِ النَّاسِ، يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ، أُولَئِكَ الآمِنُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ». وكيف لا؟ والسعيُ في قضاءِ حوائجِ الناسِ مِن الشفاعةِ الحسنةِ التي أمرَنَا اللهُ جلَّ وعلا بهَا فقالَ )) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) سورة النساء، وعن أَبِي مُوسَى رضي اللهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ مَا شَاءَ)متفق عليه وكيف لا؟ ومِنْ أجملِ الأعمالِ وأجلِّها عندَ اللهِ المسارعةُ في نَفْعِ النَّاسِ وقضاءُ حوائجِهم وتفريجُ كُربهِم وبَذْلُ الشفاعةِ الحسنةِ لهم، قال تعالى:{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً}[النساء: 114، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ نَفعَ النَّاسِ مِن أَعظَمِ الأَعمَالِ وَالقُرُبَاتِ، فعن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال:(مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)متفق عليه، وقال ﷺ:(مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) رواه مسلم )، وكيف لا؟ ونفعُ الناسِ والسعيُ في كشفِ كروباتِهِم، مِن صفاتِ الأنبياءِ والرسلِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، فالكريمُ يوسفُ بنُ يعقوبَ بنُ إسحاقَ عليه السلامُ مع ما فعلَهُ إخوتُهُ بهِ جهزَهُم بجهازِهِم ولم يبخسْهُم شيئًا منه، وموسى عليه السلامُ لمَّا وردَ ماءَ مدينَ وجدَ عليه أمةً مِن الناسِ يسقونَ ووجدَ مِن دونِهم امرأتين مستضعفتين، فرفعَ الحجرَ عن البئرِ وسقَى لهما حتى رويتْ أغنامُهُمَا، اللهُ أكبرُ! فكانت نتيجةُ قضاءِ حوائجِ المسلمين، وكشفِ كرباتِهِم، أمانٌ بعدَ الخوفِ ،ورزقٌ بعدَ الفقرِ، وزوجةٌ بعدَ العزوبةِ هذا جزاءٌ في الدنيا حصلَ عليهِ نبيُّ اللهِ موسَى- عليه السلامُ -، فكيفَ بجزاءِ الآخرةِ؟!.وها هو نبيُّنَا ﷺ كان أكثرَ الناسِ نفعًا وقضاءً لحوائجِ المسلمينَ، تَقُولُ َأُمُّ المُؤمِنِينَ خَدِيجَةُ رضي اللهُ عنها عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)) ،الله الله في نفع الناس وقضاء مصالح العباد ، وقال جابرٌ رضي اللهُ عنه: (ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ ﷺ شيئًا قَطُّ فَقالَ لا) رواه البخاري، ومسلم، وكيف لا؟ وهو القائلُ كما في حديثِ أَبِي أُمَامَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال صنائعُ المعروفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ))رواه الطبراني ,وهكذا كان صحابتُه الكرامُ رضي اللهُ عنهم والتابعون لهم بإحسانٍ كانوا أحرصَ ما يكونونَ على خدمةِ المسلمينَ والسعيِ في قضاءِ حوائجِهم، وللهِ درُّ القائلِ:
أحسنْ إلى الناسِ تستعبدْ قلوبَهُم * * * فطالمَا استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجُو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ يديكَ بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانَتْكَ أركانُ
مَن كان للخيرِ منّاعًا فليسَ لهُ * * * على الحقيقةِ إخوانٌ وأخْدانُ
مَن جادَ بالمالِ مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليهِ والمالُ للإنسانِ فتّانُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كيف تكون محبوبا عند الله
ثالثًا: فوائد وفضائل نفع الناس في الدنيا والآخرة.
أيُّها السادةُ: اعلمُوا أنَّ مِن فضائل نفع الناس وقضاءِ حَوائجِ المسلمينَ: أنْ مَن قضَى حوائجَ الناسِ قضَى اللهُ حوائجَهُ ،ففي الصحيحين عن عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة”. فمَن كان اللهُ في حاجتهِ أتظنونَ أنَّهُ يخيبُ؟ أتظنونَ أنَّهُ يضيعُ؟ لا واللهِ.
ومِن فضائل نفع الناس: أنَّ بذلَ المعروفِ وفعلَ الخيرِ سببٌ مِن أسبابِ الفلاحِ في الدنيا والأخرةِ: قال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج:77.فلا تفلحونَ إلّا إذا فعلتُم الخيرَ.
ومِن فضائل نفع الناس: أنَّ الساعِي لقضاءِ الحوائجِ موعودٌ بالإعانةِ، مؤيدٌ بالتوفيقِ:قال ﷺ:(.. وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ..) رواه مسلم,, تعينُ أخاكَ المسلمَ فيعينكَ اللهُ، ترحمُهُ فيرحمكَ، تسترُهُ فيستركَ، تنفِّسُ عنه كربةً مِن كربِ الدنيا، ينفسُ اللهُ عنك كربةً مِن كربِ القيامةِ، تضعُ عنه بعضَ الديْنِ، يضعُ عنك بعضَ الوزرِ ، تفرجُ عنه عسرتَهُ، يفرجُ اللهُ عنك عسرَكَ يومَ القيامةِ وهكذا.
ومِن فضائل نفع الناس: تجاوزُ اللهِ تعالى عن العبدِ يومَ القيامةِ: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النّاسَ، فإذا رَأى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه) رواه البخاري..
ومِن فضائل نفع الناس: أنَّ نفع الناسِ بركةٌ في الوقتِ والعملِ، وتيسيرُ ما تعسَّرَ مِن الأمورِ وتنفيسُ كُرَبِه في الدنيا والآخرةِ: قال ﷺ:(..وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..) رواه مسلم ، وقال ﷺ:(مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم.
ومِن فضائل نفع الناس: أنَّ نفع الناسِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ: قال ﷺ لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النّاسَ) رواه مسلم )وقال سلمانُ رضي اللهُ عنه: (إنَّ أهلَ المعروفِ في الدنيا هم أهلُ المعروفِ في الآخرةِ، وإنَّ أوَّلَ أهلِ الجنةِ دخولاً أهلُ المعروفِ)) كما جاء في حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ : ))أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَـأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ(( رواه الترمذي.
ومِن فضائل نفع الناس: نفع الناس أمانٌ مِن الفزعِ الأكبرِ، جاءَ في تكملةِ الحديثِ السابقِ: “… وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ ىالأَقْدَامُ (( قال ابنُ عباسٍ: إنَّ للهِ عبادًا يستريحُ الناسُ إليهِم في قضاءِ حوائجِهِم وإدخالِ السرورِ عليهِم أولئك هم الآمنونَ مِن عذابِ يومِ القيامةِ. وجاءَ في صحيحِ مسلمٍ أنَّ النبيَّ- عليه الصلاةُ والسلامُ -قال: “مَن سرَّهُ أنْ ينجيَهُ اللهُ مِن كربِ يومِ القيامةِ فلينفسْ عن معسرٍ أو يضعْ عنه”.
ومِن فضائل نفع الناس: إنَّ نفع الناسِ مِن وسائلِ وَحدةِ المجتمعِ، روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قال: ((إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ.))؛ (البخاري))، وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)
فيامنْ جَعَلَه اللهُ سببًا في نفع العبادِ، احْمدِ اللهَ تعالى على هذهِ النعمةِ العظيمةِ واستمرّ في بذلِ الخيرِ، وأبشرْ بما يَسرُّكَ في الدنيا والآخرةِ، فإنَّك لا تدري أيُّ العملِ يكونُ لك نجاةً مِن عذابِ اللهِ تعالى وسببًا في دخولِ الجنةِ، وتذكَّرْ أنَّ اللهَ جلَّ وعلا غَفَرَ للبغيِّ بشربةِ ماءٍ سَقَتْها لكلبٍ عَطِشَ، فكيفَ يكونُ جزاءُ مَنْ يقضيْ حوائجَ عبادِه.
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورَى رجلٌ *** تُقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
لا تمنعنَّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ *** ما دمتَ مقتدرًا فالعيشُ جناتُ
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم*** وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ ..
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ ……..وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كيف تكون محبوبا عند الله
رابعــًا وأخيرًا: إن لم تنفع الناس فلا تؤذيهم!!!
أيُّها السادةُ: كل إنسان مسئول أمام الله عز وجل عما قدم من العمل موقوف بين يدي ربه ليكلمه ويسأله لا حاجب بينه وبين ربه ولا ترجمان، فلا تقدم إلا خيرا وإياك ثم إياك وأذي الناس فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))
وأذى الناس داء عضال حذر منه النبي المختار صلى الله عليه وسلم ، وأذى الناس خزى وعار وهلاك ودمار وإفلاس يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فانتبه يامن تؤذي الناس سواء بقولك أو بفعلك ففي صحيحِ مُسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَتَدْرُونَ من الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم، لذا شدّدَ الإسلامُ أعظمَ التشديدِ وحذَّرَ الله جلَّ وعلا من إيذاءِ المؤمنين فقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58] وهذا يشمل الإيذاءَ الحسي والمعنوي، بالقول أو بالفعل، كالاعتداء على الأموال والممتلكات والحُرُمات، أو السبِّ والشتم، أو الاتهامات الكاذبة، أو الشائعات المغرضة، وليعلم من يفعلُ ذلك أنَّ الله جل وعلا يدافع عن عباده المؤمنين، ويُبطلَ كيد الكاذبين. صعد النبي صلى الله عليه وسلم يوما على المنبر فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يتَّبِعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)).فالمسلمُ الحَقُّ ياسادة هُوَ من كفَّ أذاهُ عن المسلمين، كما جاء في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).ويزداد جُرمُ الأذى وإثمُهُ وشناعتُه عندما يكون موجَّهاً إلى أحدٍ من أهل العلو والفضل والتقوى والصلاح، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ))، فمن ذا الذي يقدر على محاربة الله عز وجل.
ومن الجرائم العظمى: إيذاء الجار، فالجار له حق عظيم على جاره، عن ابن عمر رضي الله عنه قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)) وفي الحديث المتفق عليه: ((مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: (( هِيَ فِي النَّارِ)) فجيران اليوم لا يقبلون عذرًا ولا يغفرون ذنبًا ولا يسترون عورة انتشرت بيهم الأحقاد والضغينة إلا ما رحم الله إن أحدنا إذا رأي لجاره خيرًا كتمه ،وإذا رأي لجاره شرًا أذاعه، إن جاري وجارك قد يموت ولا نعلم بمرضه ولا موته، إن أحدنا لا ينام الليل من شدة الحزن، إذا رأي جاره في خير ولا يغمض له جفن، وإذا رأي جاره في مصيبة نام قرير العين هنيئًا.
إذا ما الدهر جر على أناس *** بكَلْكَلِه أناخ بآخرين
فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقي الشامتون كما لقينا
فالله الله في نفع الناس والحذر الحذر من إيذاء الناس روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ))فتفكر يا عبدالله في هذا الجزاء العظيم لهذا الفعل اليسير؛ لأنه قُصد به نفعُ المسلمين ودفعُ الضرر والأذى عنهم.وهذه رسالة لكل مسلم أن لا يحقر من المعروف شيئا، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ الزلزلة: 7، 8) فيا هذا نفسُكَ معدودٌ، وعمرُكَ محسوبٌ، فكم أملتَ أملًا، وانقضَي الزمانُ وفاتك، ولا أراكَ تفيقُ حتى تلقَي وفاتَك . فاحذرْ ذللَ قدمِكَ، وخفْ طولَ ندمِك ،واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِك كما قال المصطفي ﷺ في الحديثِ الذى رواه أحمدُ وغيرُهّ { اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك).
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له *** إنَّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
فارفعْ لنفسِكَ قبلِ موتِكَ ذكرَهَا *** فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثان
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف